تطور المنظومة التربوية بالمغرب: من الاستقلال إلى اليوم


تطور المنظومة التربوية بالمغرب: من الاستقلال إلى اليوم


   منذ حصول المغرب على استقلاله سنة 1956، أصبح التعليم أولوية وطنية لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية. وقد عرفت المنظومة التربوية المغربية تحولات عميقة، شملت بنية النظام، المناهج، طرق التدريس، والحكامة. وتكشف المقاربة الزمنية عن تطور هذه المنظومة عبر محطات مفصلية وإصلاحات متعاقبة.


1. مرحلة التأسيس (1956 – 1970): التوحيد، التعريب، والتعميم

بعد الاستقلال، وضعت الدولة المغربية التعليم ضمن رهانات بناء المغرب الحديث، وتميزت هذه المرحلة بـ:

  • توحيد أنظمة التعليم بعد التخلص من التعدد الذي خلفه الاستعمار (فرنسي، إسباني، تقليدي).
  • مغربة الأطر وتعويض المعلمين الأجانب بكفاءات وطنية.
  • الشروع في تعريب التعليم خاصة في الأسلاك الأولى.
  • التوسع في بناء المدارس، خاصة في القرى والمناطق المهمشة.
  • ورغم المجهودات المبذولة، ظلت التحديات كبيرة، من أبرزها: ضعف البنية التحتية، قلة الأطر، وارتفاع نسبة الأمية.

  • 2. مرحلة الأزمات والتجريب (1970 – 2000): إصلاحات متقطعة وبداية الوعي البنيوي

  • عرفت هذه المرحلة تزايدًا في الطلب على التعليم، وبدأت تظهر ملامح الأزمة، ومن أبرز معالم هذه الفترة:
  • إصلاح 1975 وإصلاح 1985: محاولات لإعادة هيكلة التعليم، لكنها ظلت جزئية ولم تمس جوهر المنظومة.
  • تعريب المواد العلمية جزئيًا في الابتدائي والإعدادي.
  • انتشار ظاهرة الهدر المدرسي، خاصة في الوسط القروي.
  • ظهور التعليم الخصوصي كبديل، خصوصًا في المدن الكبرى.
  • غياب استقرار السياسة التربوية نتيجة التداخل بين التوجهات الإيديولوجية والقرارات الإدارية.
  • ضغط المؤسسات الدولية في التسعينيات لتقييم فعالية النظام، والدعوة لإصلاحات أعمق وأكثر جرأة.


في نهاية هذه المرحلة، أصبحت الأزمة واضحة، ما أدى إلى الدعوة لتغيير جذري، تُوِّج بإعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين.


3. الميثاق الوطني للتربية والتكوين (2000 – 2009): أول إصلاح شامل وهيكلي


أُطلق الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2000 باعتباره الإطار المرجعي لإصلاح التعليم في المغرب. وقد تميز بـ:

  • التركيز على الإنصاف وتكافؤ الفرص.
  • تطوير المناهج والبرامج التعليمية.
  • تشجيع التكوين المهني والتقني.
  • تعزيز دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية.
  • إشراك الأسرة والمجتمع في تدبير الشأن التربوي.

ورغم التحسن النسبي في مؤشرات التمدرس، بقي التطبيق محدودًا بسبب ضعف المتابعة والتمويل.


4. البرنامج الاستعجالي (2009 – 2012): محاولة لتسريع وتيرة الإصلاح


جاء البرنامج الاستعجالي كخطة طارئة لإنقاذ التعليم، وركّز على:

  • تعميم التعليم الأولي.
  • محاربة الهدر المدرسي.
  • تحسين ظروف التمدرس والبنية التحتية.
  • دعم التكوين المستمر للأساتذة.

لكن هذا البرنامج لم يدم طويلًا، فتوقف بعد تغير الحكومة سنة 2012، دون استكمال أهدافه.


5. رؤية 2015 – 2030 والقانون الإطار (2019): نحو تعليم الجودة والعدالة


أطلق المجلس الأعلى للتربية والتكوين رؤية استراتيجية جديدة سنة 2015 بعنوان:

"من أجل مدرسة الإنصاف، والجودة، والارتقاء الفردي والمجتمعي"، وقد تُرجمت هذه الرؤية إلى قانون إطار رقم 51.17 سنة 2019، يُعد أول قانون ملزم في تاريخ الإصلاح التربوي بالمغرب، ويهدف إلى:

  • تعميم التعليم الأولي ودمجه في التعليم الإلزامي.
  • تحسين جودة التعلمات وتطوير مناهج الكفايات والمهارات الحياتية.
  • تدريس العلوم باللغات الأجنبية في التعليم الثانوي.
  • إصلاح نظام التكوين الأساسي للأساتذة وتعزيز الكفاءة المهنية.
  • إرساء نظام فعال للتقييم والمراقبة.
  • مراجعة حكامة المنظومة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

6. مستجدات ما بعد الجائحة (2020 – إلى اليوم): الرقمنة وتحديات المهنة

شهدت الفترة الأخيرة تحولات جديدة بفعل جائحة كوفيد-19 وتطور التكنولوجيا:

  • اعتماد التعليم عن بُعد وتطوير المنصات الرقمية.
  • إصلاح نظام التوظيف الجهوي وإقرار النظام الأساسي الموحد للأطر التربوية.
  • تنزيل خارطة طريق جديدة (2022 – 2026)، تركّز على:
  • جودة التعلمات الأساسية.
  • تحسين الحياة المدرسية.
  • إعادة الثقة في المدرسة العمومية.


     إن المسار الطويل لإصلاح التعليم في المغرب يكشف عن رغبة دائمة في التغيير، لكنه يُظهر في الوقت ذاته حجم التحديات البنيوية والثقافية التي تواجه المنظومة. وبين تعاقب الإصلاحات وتعثرات التنفيذ، تبقى جودة التعليم، والعدالة المجالية، وتكوين الأطر، رهانًا أساسيًا لمغرب الغد.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق